فصل: الجملة الخامسة في زي أهل هذه المملكة وترتيب الملك بها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الجملة الخامسة في زي أهل هذه المملكة وترتيب الملك بها:

أما زي أهلها فإنه لبس السلطان والأمراء والجند أقبية تترية ضيقة الأكمام، مزندة على الأكف، والأمراء منهم يلبسون فوق ذلك أقبية قصار الأكمام من رقيق الخام مضربة تضريباً واسعاً، وعلى رؤوسهم عمائم من لانس متوسطة المقدار بين الكبر والصغر، مكورة تكويراً خاصاً، حسن الصنعة، متداخل بعض اللفات في بعض، ويلبسون خفافاً من أدم، وقد شاهدت أميراً من أمرائهم ورد رسولاً عن أبي يزيد بن مراد بك بن عثمان إلى الظاهر برقوق صاحب الديار المصرية وهو على هذه الهيئة، وكثير من الجند يلبسون الطراطير البيض والحمر المتخذة من اللبد.
وأما ترتيب مملكتهم فلم تتحرر لي كيفية ذلك إلا أنه قد تقدم نقلاً عن صاحب العبر أنهم كانوا يسكنون الخيم ثم نزلوا المدن بعد ذلك، فلا يبعد أن يكون ترتيب ملكهم على نحوٍ من ترتيب التتر والله أعلم.
القسم الثاني من الجهة الشمالية عن الديار المصرية ما بيد ملوك النصارى وهو ثلاثة أضرب:
الضرب الأول: جزائر بحر الروم:
وهو البحر الشامي الممتد من البحر المحيط الغربي، المسمى بحر أوقيانوس إلى ساحل الشام وما على سمته من بلاد الأرمن الممتد ساحله الجنوبي على ساحل الديار المصرية، ثم على ساحل برقة، ثم على ساحل أفريقية، ثم على ساحل الغرب الأوسط، ثم على ساحل الغرب الأقصى إلى البحر المحيط. وساحله الشمالي على بلاد الروم التي شرقي الخليج القسطنطيني، ثم على سواحل بلاد الروم والفرنجة من غربي الخليج المذكور إلى ساحل الأندلس إلى البحر المحيط، على ما تقدم ذكره في الكلام على البحار في أول هذه المقالة.
وبه إحدى عشرة جزيرةً: إحداها- جزيرة قبرس. قال في اللباب: بضم القاف وسكون الباء الموحدة وضم الراء المهملة وفي آخرها سين مهملة. وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال: حيث الطول سبع وخمسون درجة، والعرض خمسٌ وثلاثون درجة. وهي جزيرة في مشارق هذا البحر. قال ابن سعيد: على القرب كمن ساحل الشام بينها وبين الكرك بضم الكاف وسكون الراء المهملة من بلاد الأرمن نحو نصف مجرى. قال: وطولها من الغرب إلى الشرق مائتا ميل، ولها ذنب دقيق في شرقيها. قال الأدريسي: ودورها مائتان وخمسون ميلاً ولصاحبها مكاتبةٌ تخصه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات، وفي المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
الثانية- جزيرة رودس. قال في تقويم البلدان: بضم الراء المهملة ثم واو ساكنة ودال مهملة ويقال معجمه مكسورة ثم سين مهملة. وموقعها في الإقليم من الأقاليم السبعة قال في الأطوال: حيث الطول إحدى وخمسون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ستٌ وثلاثون درجة. قال في تقويم البلدان: وهي على حيال الإسكندرية، بين جزيرة المصطكى وجزيرة أقريطش. قال: وامتدادها من الشمال إلى الجنوب بانحراف نحو خمسين ميلاً، وعرضها نصف ذلك. وبين هذه الجزيرة وبين ذنب جزيرة أقريطش مجرىً واحدٌ، وهي من الغرب عن جزيرة قبرس بانحراف إلى الشمال. قال: وبعضها للفرنج، وبعضها لصاحب اصطنبول وهي القسطنطينية ومن رودس يجلب العسل الطيب العديم النظير، ولصاحبها مكاتبة تخصه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
الثالثة- جزيرة أقريطش. قال في اللباب: بفتح الألف وسكون القاف وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة من تحت وكسر الطاء وسين معجمة في الآخر. قال في الروض المعطار: سسميت بذلك لأن أول عمرها كان اسمه قراطي قال: وتسمى أيضاً أقريطش البترليش ومعناها بالعربية مائة مدينة. وهي على سمت برقة، وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة، قال ابن سعيد: ومدينتها حيث الطول سبعٌ وأربعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض أربعون درجةً وثلاثون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي جزيرةٌ عظيمة مشهورة، وامتدادها من الغرب إلى الشرق ودورها ثلثمائةٍ وخمسون ميلاً. وقيل: هذه الأميال إنما هي طولها شرقاً بغرب لادورها، وذكر في كتاب الأطوال أن دورها سبعة عشر يوماً. قال في تقويم البلدان:. ومنها يجلب إلى الإسكندرية العسل والجبن وغير ذلك. قال في الروض المعطار: وهي جزيرة عامرة، كثيرة الخصب، ذات كروم وأشجار، وبها معدن ذهبٍ. وأكثر مواشيها المعز، وليس بها إبلٌ، ولم يكن بها سبعٌ ولا ثعلب ولا غيرهما ممن الدواب الدابة بالليل، وكذلك ليس بها حية، وإنها دخلت إليها حية ماتت في عامها. ويقال: إن صناعة الموسيقى أول ما ظهرت بها، وبينها وبين ساحل برقة يومٌ وليلة، وبينها وبين قبرس أربعة مجارٍ، وإليها ينسب الأنتيمون الأقريطيشي المستعمل في الأدوية. وكان عبد الله بن أبي سرح أمير مصر قد افتتحها في زمان إمارته في خلافة عثمان رضي الله عنه، وبقيت بأيدي المسلمين حتى تغلب عليها النصارى في سنة خمس وأربعين وثلثمائة. قال في الروض المعطار: وهي بيد صاحب القسطنطينية.
الرابعة- جزيرة المصطكي بفتح الميم وسكون الصاد وفتح الطاء المهملة والكاف وألف في الآخر. وسميت بذلك لأنه ينبت بها شجر المصطكى. قال في تقويم البلدان: وهي جزيرة بالقرب من فم الخليج القسطنطيني. وقال ابن سعيد: هي داخلةٌ في بحر الروم على مائة وخمسين ميلاً من فم الخليج القسطنطيني. قال: وطولها من الشمال إلى الجنوب نحو ستين ميلاً. قال: وهي شرقي جزيرة التغريب وبينهما نحو ثلاثين ميلاً. قال في تقويم البلدان: وبها ديورة وقرى، ومنها تجلب المصطكى إلى البلاد، وهي صمغ شجر ينبت بها يشبه شجر الفستق الصغار، يشرط في فصل الربيع بمشاريط فتسيل منها المصطكى، ثم تجمد على الشجر، وربما قطر منه شيء على الأرض، والأول أجود.
الخامسة- جزيرة التغريب بالتاء المثناة فوق المفتوحة وسكون الغين المعجمة وكسر الراء المهملة وياء مثناة تحت وباء موحدة في الآخر. قال في تقويم البلدان: وهي من الغربة، وموقعها في أواخر الإقليم السادس من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: وطرفها الشرقي حيث الطول ثمانٌ وأربعون درجة وخمسون دقيقة، والعرض اثنتان وأربعون درجةً وخمسٌ وخمسون دقيقة. وهي جزيرة كبيرة في الغرب عن جزيرة المصطكى المقدم ذكرها، وامتدادها من المغرب إلى المشرق بانحراف إلى الجنوب مائةٌ وخمسون ميلاً، وفي العرض من عشرين ميلاً إلى نحو ذلك. قال في تقويم البلدان: وهي معروفة بخروج الشواني والقطائع منها.
السادسة- جزيرة لمريا. قال في تقويم البلدان: بفتح اللام وسكون الميم وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة تحتية وألف في الآخر. قال: وعن بعض المسافرين أن بعد المثناة هاء. قال ابن سعيد: وتعرف بالكتب بجزيرة بلونس، وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: ووسطها حيث الطول خمسٌ وأربعون درجة واثنتان وأربعون دقيقة، والعرض ثلاثٌ وأربعون درجة وثلاث عشرة دقيقة. قال: وهي أكبر جزائر الروم ودورها على التحقيق سبعمائة ميل، وفيها أخوار وتعريجات، ومدينتها في وسطها.
السابعة- جزيرة صقلية. قال في اللباب: بفتح الصاد المهملة والقاف ولام وياء مثناة من تحت وهاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. وبين ذنبها الغربي وبين تونس مجرى وستون ميلاً، ودورها خمسمائة ميل. وهي على صورة على شكل مثلث حاد الزاوية: فالزاوية الأولى شمالية، وهنا المجاز الضيق إلى الأرض الكبيرة يعني التي وراء الأندلس وهو نحو ستة أميال. والزاوية الثانية جنوبية، وهي تقابل بر طرابلس من أفريقية من بلاد الغرب. والزاوية الثالثة غربية، وهناك بركان النار في جزيرة صغيرة منقطعة شمالي الزاوية المذكورة، وشمالي صقلية بلاد قلفرية الأتي ذكرها في الكلام على الضرب الثاني. قال في تقويم البلدان: وصاحب صقلية في زماننا هذا فرنجي من الكيتلان اسمه الريد افريك.
وقاعدتها مدينة بلزم بفتح الباء الموحدة واللام وسكون الزاي المعجمة وميم في الآخر. قال ابن سعيد: وهي حيث الطول خمسٌ وثلاثون درجةً، والعرض ستٌ وثلاثون درجةً وثلاثون دقيقة. وبها عدة مدن غير هذه القاعدة.
منها مدينة مازر. قال في المشترك: بفتح الزاي المعجمة وبعدها راء مهملة، وإليها ينسب الأمام المازري المالكي شارح موطإ مالك وغيره.
ومنها قصر يانة بلفظ قصر المعروف، ويانة بفتح الياء المثناة تحت وألف ونون مشددة، وهي مدينة كبيرة على سن جبل.
الثامنة- جزيرة سردانية. قال في تقويم البلدان: بضم السين وكسر الراء وفتح الدال المهملات ثم ألف ونون مكسورة وياء مثناة تحت مفتوحة وهاء في الآخر. قال: واسمها بالفرنجية صرداني، يعني بإبدال السين صاداً مهملة وحذف الهاء في الآخر. وهي غربي الجزر المتقدمة الذكر. وموقعها في الإقليم الرابع بين مرسى الخرز من البر الجنوبي وبين مملكة بيزة من البر الشمالي. قال في الأطوال: وطولها إحدى وثلاثون درجة، وعرضها ثمانٌ وعشرون درجة. قال ابن سعيد: وامتدادها من الطول من الشمال إلى الجنوب مجرى ونصف، وفي غربيها مغاص المرجان الفائق الذي ليس له نظيرٌ، وبها معدن فضة، وهي الآن بيد الفرنج الكيتلانيين، ولملك الكيتلان نائبٌ بها.
التاسعة- جزيرة قرسقة بفتح القاف وسكون الراء المهملة وفتح السين المهملة والقاف وهاءٍ في الآخر. وهي مقابل جنوة الأتي ذكرها في الضرب الثاني، وبينها وبين سردانية المتقدمة الذكر مجازٌ نحو عشرة أميال، وامتدادها من الشمال إلى الجنوب مجرى ونصف، ووسطها متسع، ورأسها من جهة جنوة ضيق.
العاشرة- جزيرة أنكلطرة بألف ونون ساكنة وكاف مفتوحة ولام مفتوحة وطاء مهملة ساكنة وراء مهملة مفتوحة وهاء في الآخر. قال ابن سعيد: ويقال أنكلترة بإبدال الطاء تاء مثناةً من فوق. قال: وطول هذه الجزيرة من الجنوب إلى الشمال بانحرافٍ قليل أربعمائة وثلاثون ميلاً، واتساعها في الوسط نحو مائتي ميل، وفيها معدن الذهب والفضة والنحاس والقصدير وليس فيها كرومٌ لشدة البرد بها، وأهلها يحملون الذهب إلى بلاد الفرنج، ويعتاضون عنه الخمر لعدمه عندهم.
وقاعدتها مدينة لندرس بلام ونون ودال وراء وسين مهملات. وصاحب هذه الجزيرة يسمى الأنكتار بنون وكاف وتاء مثناة فوقية وألف وراء مهملة في الآخر. وهو الذي عقد الهدنة بينه وبين الملك العادل أبي بكر بن أيوب في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، والملك العادل على عسقلان. وكان من أمره أنه لم يحلف على الهدنة بل أخذت يده وعاهدوه، واحتج بأن الملوك لا يحلفون، وكانت الهدنة بينهما ثلاث سنين وثلاثة أشهر، أولها كانون الأول الموافق الحادي عشري شعبان من السنة المذكورة.
الحادية عشرة- جزيرة السناقر. جمع سنقر وهو الجارح المعروف ذكره في الكلام على ما يحتاج الكاتب إلى وصفه في المقالة الأولى. وهي جزيرةٌ على القرب من جزيرة أنكلترة المقدمة الذكر. قال ابن سعيد: وامتدادها في الطول شرقاً بغربٍ سبعة أيام، ووفي العرض أربعة أيام. قال في تقويم البلدان: ومنها من الجزائر التي شماليها تجلب السناقر التي هي أشراف أنواع الجوارح، وإلى ذلك أشار في التعريف في الكلام على أوصاف السناقر بقوله وهي مجلوبةٌ من البحر الشامي. قلت: وجزيرة جربة تقدم ذكرها مع بلاد أفريقية. وجزيرة ميورقة وجزيرة يانسة وجزيرة قادس تقدم ذكرها مع جزيرة الأندلس.
الضرب الثاني: ما شمالي بحر الروم:
بحر الروم المقدم ذكره المقدم ذكره من غربي الخليج القسطنطيني مما يمتد غرباً إلى البحر المحيط الغربي، وما يتصل بذلك مما شمالي بحر نيطش المعروف ببحر القرم إلى أقصى الشمال، وهو جهتان:
الجهة الأولى: ما هو في جهة الغرب عن الخليج القسطنطيني، وهو قطران:
القطر الأول: ما بين الخليج المذكور وبين جزيرة الأندلس:
ويشتمل على ممالك كبار وممالك صغار وما على سمت ذلك.
فأما الممالك الكبار فالمشهور منها خمس ممالك:
المملكة الأولى: مملكة القسطنطينية:
قال في اللباب: بضم القاف وسكون السين المهملة وفتح الطاء المهملة وسكون النون وكسر الطاء الثانية وسكون المثناة من تحت ثم نون يعني مفتوحة ثم هاء في الآخر. قال في تقويم البلدان: وتسمى بوزنطيا يعني بالباء الموحدة والواو والزاي المعجمة والنون والطاء المهلة ثم ياء مثناة من تحت وألف في الآخر. وربما قالوا: بوزنطية بابدال الألف هاء. وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال في رسم المعمور: حيث الطول ثمانٌ وأربعون درجةً، والعرض خمسٌ وأربعون درجةً، ووافقه على ذلك صاحب الأطوال وصاحب القانون وابن سعيد: وهي قاعدة الروم بعد رومية وعمورية، وهي المستقرة قاعدة ملك لهم إلى الآن.
قال في الروض المعطار: نزل رومية من ملوك الروم عشرون ملكاً، ثم نزل عمورية منهم ملكان، ثم عادت المملكة إلى رومية فنزلها منهم ملكان، ثم ملك قسطنطين بن هيلاني، فجدد بناء بوزنطية وزاد في بنائها، وسماها قسطنطينية نسبة إليه ونزل بها فصارت دار ملكٍ للروم بعده إلى الآن. قال: وهي على ضفة الخليج المنصب من بحر نيطش ومانيطش إلى بحر الروم، وقد صار هذا الخليح مشهوراً بها.
فيقال فيه الخليج القسطنطيني كما تقدم. وجهاتها الثلاث من الشرق والغرب والجنوب إلى البحر، والجهة الرابعة وهي الشمال إلى البر، وقطرها من الشرق إلى الغرب ثمانية وعشرون ميلاً، ولها سوران من حجارة بينهما فضاء ستون ذراعاً، وعرض السور الداخل اثنا عشر ذراعاً، وارتفاعه اثنان وسبعون ذرراعاً، وعرض السور الخارج ثمانية أذرع، وارتفاعه اثنان وأربعون ذراعاً، وفيما بين السورين نهر يسمى قسطنطينيايون مغطى ببلاط من نحاس، يشتمل على اثنين وأربعين ألف بلاطة، طول كل بلاطة ستة وأربعون ذراعاً، وعمق النهر اثنان وأربعون ذراعاً.
ولها نحو مائة باب أكبرها باب الذهب: وهو باب في شماليها، طوله أحد وعشرون ذراعاً، وهو مضبب بالحديد، وبه أعمدةٌ من ذهب، وبها قصر طوله في غاية الكبر والعلو، وطريقه الذي يتوصل إليه منه يعرف بالبدندون.
وهو من عجائب الدنيا، يمشى فيه بين سطرين من صور مفرغة من النحاس البديع الصناعة على صور الأدميين وأنواع الخيل والسباع وغير ذلك، وفي القصر ضروب من عجائب المصنوعات.
قال في تقويم البلدان: وحكى لي بعض من سافر إليها أن داخلها مزدرع وبساتين، وبها خرابٌ كثير، وأكثر عمارتها في الجانب الشرقي الشمالي، وكنيستها مستطيلة، وإلى جانب الكنيسة عمود عال دوره أكثر من ثلاث باعات، وعلى رأسه فارسٌ وفرسٌ من نحاس، وفي إحدى يديه حربةٌ كبيرة، وقد فتح أصابع يده الأخرى وهو مشير إليها.
وقيل: إن ذلك صورة قسطنطين باني المدينة. قال في العزيزي: ولها أربع عشرة معاملةً.
واعلم أن هذه المملكة كانت أولاً بيد اليونان. قال البيهقي: وهو بنو يونان، ابن علجان، بن يافث، بن نوح عليه السلام.
وفي التوراة أن يونان ابن يافث لصلبه، واسمه فيها يافان بفاء تقرب من الواو.
وخالف الكندي فنسبهم إلى عابر بن فالغ فجعل أخاً لقحطان، وذكر أنه خرج من اليمن بأهله وولده مغاضباً لأخيه قحطان فنزل ما بين إفرنجة والروم، فاختلط نسبه بنسبهم. ورد عليه أبو العباس الناشي في ذلك بقوله: [طويل]
وتخلط يوناناً بقحطان ضلةً ** لعمري لقد باعدت بينهما جداً!

وقيل إنهم نجموا من رجل يقال له الكن ولد سنة سبع وأربعين لوفاة موسى عليه السلام.
وكانت قاعدة ملكهم الأولى مدينة أغريقية، وهي مدينة بناها أغريقش ابن يونان المقدم ذكره على الجانب الغربي من الخليج القسطنطيني، وهي أول مدنهم، ثم هدمها هيليوس أحد ملوكهم وبني مدينة مقدونية، في وسط المملكة بالجانب الغربي أيضاً ونزلها فصارت منزلاً لملوكهم من بعده، وإليها ينسب ملوكهم فيقال ملوك مقدونية، وقد كان يقال للإسكدنر بن فيلبس المقدوني نسبة إلى مقدنية هذه.
ومن طائفة اليونان كان معظم الحكماء الذين عنهم أخذت علوم الفلسفة، ومنهم بقراط وسقراط وأفلاطن وأرسطوطاليس وإقليدس وغيرهم من الحكماء.
وكان لهم عدة ملوك، أولهم يونان بن يافث بن نوح.
ثم ملك بعده ابنه أغريقش وهو الذي بني مدينة أغريقية المتقدم ذكرها.
وتوالى الملك في ولده، وقهروا الطينيين ودال ملكهم في أرمينية.
ثم ملك هرقل الجبار بن ملكان، بن سلقوس، بن أغريقش.
ثم ملك بعده ابنه بلاق وإليه تنسب الأمة البلاقية التي هي الآن على بحر سوداق، واتصل الملك في عقب بلاق المذكور إلى أن ظهر عليهم إخوانهم الروم واستبدوا بالملك.
فكان أولهم هردوس بن مطرون، بن رومي، بن يونان، فملك الأمم الثلاثة، وصار اسمه لقباً لكل من من ملك بعده.
ثم ملك بعده ابنه هرمس وحاربه الفرس فقهروه وضربوا عليه الإتاوة.
ثم ملك بعده ابنه مطرنوس فحمل الإتاوة للفرس.
ثم ملك بعده فيلبوس فظهر على الأعداء وهدم مدينة أغريقية، وبني مدينة مقدونية المتقدم ذكرها، وكان محباً في الحكمة فكثر الحكماء في دولته.
ثم ملك بعده ابنه الإسكندر فاستقام له الأمر وملك الشام، وبيت المقدس، والهند، والسند، وبلاد الصين، والتبت، وخراسان، وبلاد الترك، وذلت له سائر الملوك، وهاداه أهل المغرب والأندلس والسودان، وبني مدينة الإسكندرية بالديار المصرية عند مصب النيل على ساحل البحر الرومي، وبني أيضاً مدينة سماها الإسكندرية، ورجع إلى بابل فمات بها، وعرض الملك على ابنه إسكندروس فأبى واختار الرهبانية.
ثم ملك بعده لوغوس من بيت الملك، وتلقب بطليموس فصار ذلك علماً على كل من ملك منهم.
وقيل: هو بطليموس بن لاوى صاحب عسكر الإسكندرية، وهلك لأربعين سنةً من ملكه.
وملك بعد ابنه فلديفش فأقام ثمانياً وثلاثين سنة، وترجمت له التوراة من العبراني إلى الرومي.
ثم ملك بعده ابنه أنطرطيش فأٌقام ستاً وعشرين سنة وهلك.
فملك بعده أخوه قلوباظر فأقام سبع عشرة سنةً وهلك.
فملك بعده ابنه أبيفانش فأقام أربعاً وعشرين سنة.
وملك بعده ابنه قلوماظر فاقام خمساً وثلاثين سنةً. وكان مقره الإسكندرية وهلك.
فملك بعده ابنه إبرياطش فأقام سبعاً وعشرين سنة، وعلى عهده استفحل ملك رومة، وملكوا الأندلس وأفريقية وهلك.
فملك بعده ابنه شوظا فأقام سبع عشرة سنة وهلك.
فملك بعده أخوه الإسكندر فأقام عشر سنين وهلك.
فملك بعده دنونشيش بن شوظا، فأقام ثمانياً وثلاثين سنة، وفي أيامه ملك الروم بيت المقدس وأنطاكية، وهلك.
فملك بعده بنته كلابطرة فأقامت سنتين، وكان سكنها الإسكندرية وكان للملك على الروم يومئذ أغشطش قيصر ملك الروم، فقصدها، فاحتالت بأن اتخذت حية توجد بين الحجاز والشام، فلمست الحية فيبست مكانها، وبقيت الحية في رياحين حولها، وحضر أغشطش فوجدها جالسةً ولم يشعر بموتها، فتنأول من الرياحين ليشمها فلسعته الحية فمات. وزالت دولة اليونان بزوالها.
هكذا رتبهم هروشيوش مؤرخ الروم وسبب ذلك أن الروم واليونان كانوا متجاورين متلاصقين لعلاقة النسب فقد نقل ابن سعيد عن البيهقي أن الروم من ولد رومي بن يونان المقدم ذكره.
وقيل هم بنو لطين بن يونان أخي رومي المذكور، ولذلك يقال لهم اللطينيون.
وقيل هم من بني كيتم بن ياثان وهو يونان. وقيل بل هم من بني عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام.
قال صاحب حماة في تاريخه: وكان أول ظهورهم في سنة ست وتسعين وثلثمائة لوفاة موسى عليه السلام.
قال: وهم يعرفون ببني الأصفر، والأصفر هو رويم بن العيص.
قال في العبر: وذلك أنه لما خرج يوسف عليه السلام من مصر بأبيه يعقوب ليدفنه بالشام عند الخليل عليه السلام، اعترضه بنو عيصو فحاربهم وهزمهم، وأسر منهم صفوا بن إليفار بن عيصو، وبعث به إلى أفريقية، فأقام بها واتصل بملكها واشتهر بالشجاعة، ثم هرب من أفريقية إلى أسبانية، فزوجوه وملكوه عليهم، فأقام في الملك خمساً وخمسين سنة، وبقي الملك في عقبه إلى أن كان منهم ملكٌ اسمه روميش فبني مدينة رومية وسكنها فعرفت به.
وبالجملة فإنهم كانوا مجاورين لهم: الروم في المغرب، واليونان في المشرق، فوقعت الحرب بينهم، وكان الغلبة للروم على اليونان مرةً بعد أخرى إلى أن كانت غلبة أغشطش على قلوبطرا على ما تقدم ذكره.
ثم ملوك الروم على طبقات:
الطبقة الأولى: من ملك منهم قبل القياصرة:
قال هروشيوش مؤرخ الروم: وأول من ملك منهم بيقش بن شطونش ابن يوب، في آخر الألف الرابع من أول العالم على زمن تيه بني إسرائيل.
ثم ملك بعده ابنه بريامش واتصل الملك في عقب بيقش المذكور وإخوته إلى أن كان منهم كرمنش بن مرسية بن شبين بن مزكة، بعد أربعة الأف وخمسين لأول العالم في زمن بار بن كلعاد من ملوك بني إسرائيل، وهو الذي ألف حروف اللسان اللطيني ولم تكن قبله.
ثم كان أناش من عقب بريامش بن بيقش المتقدم ذكره لأربعة الأف ومائة وعشرين للعالم.
وفي أيامه خرب الأغريقيون مدينة طروبة المتقدم ذكرها في قواعد مملكتهم.
ثم ملك بعده ابنه أشكنانيش وهو الذي بني مدينة ألبا، ثم اتصل الملك فيهم إلى أن افترق أمرهم، ثم كان من أعقابهم برقاش على عهد عزيا بن أمصيا من ملوك بني إسرائيل.
واتصل الملك لابنه ثم لحافديه روملش وراملش لأربعة الأف وخمسمائة سنة للعالم.
وهما اللذان اختطا مدينة رومية، وكان الروم بعد روملش وراملش وانقراض عقبهم قد سئموا ولاية الملوك عليهم، فصيروا أمرهم شورى بين سبعين وزيراً.
وقال ابن العميد: كانوا يقدمون شيخاً بعد شيخ، ولم يزل أمرهم على ذلك مدة سبعمائة سنة، وتقترع الوزراء في كل سنة، فيخرج قائد منهم إلى كل ناحية على ما توجبه القرعة، فيحاربون الأممم والطوائف، ويفتحون الممالك حتى ملوا الأندلس واثخنوا في الجلالقة، وملكوا سمورية مدينة القوط، واستولوا على الشام وأرض الحجاز، وافتتحوا بيت المقدس وأسروا ملكها، وكانت الحرب بينهم وبين الفرس سجالأ إلى أن كانت القياصرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
الطبقة الثانية: القياصرة قبل ظهور دين النصرانية فيهم:
قال ابن العميد: لم يزل تدبير المشايخ الذي رتبوهم نافذاً فيهم، إلى أن كان آخرهم أغانيوش فدبرهم أربعة سنين وتسمى قيصر، وهو أول من تسمى بذلك من ملوكهم، ثم صار سمة لمن بعده، وسيأتي الكلام على معنى هذه اللفظة.
ثم ملك بعده بوليوش قيصر ثلاث سنين.
ثم ملك بعده أوغشطش قيصر بن مونوخس، وهروشيوش يسميه أكتيبان قيصر وهو الثاني من القياصرة، وهو الذي سلب ملك كلابطرا آخر ملوك اليونان المقدم ذكرها.
واستولى على مصر والأسكندرية وسائر ممالك اليونان الروم.
ويقال: إنه كان آخر قواد الشيخ مدبر رومة، وإنه توجه بالعساكر لفتح الأندلس ففتحها ثم عاد إلى رومة فملكها وطرد الشيخ عنها، ووافقه الناس على ذلك، ثم قتل نائبه بناحية المشرق واستولى عليها لثنتي عشرة سنةً من ملكه ولثنتين وأربعين سنة من ملك أغشطش ولد المسيح بعد مولد يحيى بثلاث أشهر وذلك لتمام خمسة الأف وخمسمائة سنةٍ شمسية للعالم.
ثم ملك من بعده ابنه طباريش قيصر فاستولى على النواحي، وفي أيامه كان رفع المسيح عليه السلام وافتراق الحواريين في الأفاق لإقامة الدين وحمل الأمم على عبادة الله تعالى. ومات لثلاثٍ وعشرين سنةً من ملكه بعد أن جدد مدينة طبرية واشتق اسمها من اسمه.
ثم ملك بعده غابيش قيصر وهو الرابع من القياصرة.
وقال هروشيوش: وهو أخو طباريش، وسماه غابيش قليفة بن أكتيبان.
قال ابن العميد: ووقعت في أيامه شدة على النصارى، وقتل يعقوب أخاه يوحنا من الحواريين، وحبس بطرس رأسهم، ثم وثب عليه بعض قواده فقتله.
وملك بعده فلوديش قيصر وهو الخامس من القياصرة. قال هروشيوش: هو ابن طباريش المتقدم ذكره فيكون أخا غابيش على عهده كتب متى الحواري إنجيله في بيت المقدس بالعبرانية، ونقله يوحنا بن زندي إلى الرومية، وكتب بطرس رأس الحواريين إنجيله بالرومية، وبعث به إلى بعض أكابر الروم، وهلك فلوديش قيصر لأربع عشرة سنة من ملكه.
وملك بعده ابنه نيرون قيصر وهو السادس من القياصرة، وكان غشوماً فاسقاً، فأنكر على من أخذ بدين المسيح فقتلهم، وقتل بطرس وبولس الحواريين، وقتل مرقص الأنجيلي: بطرك الإسكندرية لثنتي عشرة سنة من ملكه.
وفي أيامه هدم اليهود كنيسة النصارى بالقدس، ودفنوا خشبتي الصليب بزعمهم في الزبالة.
قال هروشيوش: وقتله جماعةٌ من قواده لأربع عشرة سنة من ملكه، وانقطع ملك آل يوليوش قيصر لمائة وستً عشرة سنة من أول ملكهم.
قال هروشيوش: وكان نيرون قيصر قد وجه قائداً إلى جهة الأندلس فافتتحها وعاد إلى رومة بعد مهلك نيرون قيصر فملكه الروم عليهم.
وكان لنيرون قيصر صهرٌ على أخته يسمى يشبشيان، وابن العميد يسميه إشبا شيانس وكان نيرون قيصر قد وجهه لفتح بيت المقدس ففتحه وعاد فقتل ذلك القائد الذي استولى على المملكة بعد نيرون قيصر، وملك مكانه، وتسمى قيصر كمن كان قبله واستقام له الملك، هكذا ذكره هروشيوش.
والذي ذكره ابن العميد أنه لما ملك نيرون قيصر وإشبا شيانس الذي سماه هروشيوش يشبشيان محاصر القدس ملك الروم عليهم غلياش قيصر، فأقام تسعة أشهر وكان رديء السيرة فقتله بعض خدامه.
ثم ملكوا عوضه أنون ثلاثة أشهر، وملكوا بطالس ثمانية أشهر، وسار إليه اشباشيانش الذي يسميه هروشيوش يشبشيان فقتله وهلك اشباشيانس المذكور لتسع سنين من ملكه.
وملك بعده ابنه طيطش قيصر لأربعمائة سنة من ملك الإسكندر، فأقام فيهم سنتين وقيل ثلاثاً وقيل أربعاً، وكان حسن السيرة متفنناً في العلوم.
ثم ملك بعده أخوه دومريان قيصر وقيل اسمه دوسطيانوس، وقيل دوماطيانوس، فأقام خمس عشرة سنة، وقيل ستة عشرة سنة، وقيل تسع سنين، وهو ابن أخت نيرون قيصر المتقدم ذكره، وكان ظلوماً غاشماً فحبس يوحنا الحواري، وأمر بقتل النصارى ونفيهم، وقتل اليهود من نسل داود حذار أن يملكوا وهلك في حرب الفرنج.
وملك بعده نربا ابن أخيه طيطش، وقيل اسمه تاوداس، وقيل قارون، وقيل: برسطوس، فأقام نحواً من سنتين أو سنة ونصفاً، فأحسن السيرة وأمر برد من نفي من النصارى وخلاهم ودينهم، ولم يكن له ولد.
فعهد بالملك إلى طريانش من عظماء قواده: وقيل: اسمه أنديانوش، وقيل طرينوس، فملك بعده وتسمى قيصر، فأقام تسع عشرة سنة، ولقي النصارى في أيامه شدةً وتتبع أئمتهم بالقتل، واستعبد عامتهم، وفي زمنه كتب يوحنا إنجيله برومة في بعض الجزائر، وهلك طريانش المذكور لتسع عشرة سنةً من ولايته.
وملك بعده أندريانوس فأقام إحدى وعشرين سنة، وقيل عشرين سنة وهو الذي بني مدينة القدس وسماها إيليا، وكان شديداً على النصارى وقتل منهم خلقاً كثيراً، وأخذ الناس بعبادة الأوثان، وألزم أهل مصر حفر خليج من النيل إلى القلزم فحفروه وأجروا فيه ماء النيل ثم ارتدم بعد ذلك.
ولما جاء الفتح الإسلامي ألزمهم عمرو بن العاص رضي الله عنه حفره فحفروه وجرى فيه الماء ثم ارتدم أيضاً، وبقي على ذلك مردوماً إلى زماننا. ومات أندريانوس لإحدى وعشرين سنةً من ملكه.
فملك بعده ابنه انطونيش وتسمى قيصر الرحيم فأقام ثنتين وعشرين سنة، وقيل إحدى وعشرين سنة وهلك.
فملك بعده أخوه أوراليانس وقيل اسمه اورالش، وقيل اسمه أنطونيش الأصغر، وأصاب الأرض في زمنه قحطٌ ووباءٌ عظيم، وأصاب النصارى في أيامه شدة عظيمة، وقتل منهم خلقاً كثيراً، وهلك لتسع عشرة سنة من ملكه.
وملك بعده ابنه كمودة ويقال بالقاف بدل الكاف، فأقام ثلاث عشرة سنة، وقيل اثنتي عشرة سنة.
وفي عاشرة ملكه ظهر أردشير بن بابك أول ملوك الساسانية من الفرس.
وفي زمنه كان جالينوس اليوناني المشهور بالطب، وبقراطس الحكيم، ومات كمودة المذكور.
فملك بعده ورمتيلوش قيصر وقيل اسمه برطنوش، وقيل اسمه فرطيخوس، وقيل برطانوس، وقيل ألبيش بن طنجيش فأقام ثلاثة أشهر، وقيل شهرين، وقيل سنة، وقتله بعض قواده.
فملك بعده يوليانوس قيصر فأقام شهرين ومات.
فملك بعده سوريانوس قيصر، وقيل اسمه سورس، وقيل طباريش، فأقام تسع عشرة سنة، وقيل ثمان عشرة، وقيل ست عشرة، وقيل ثلاث عشرة، وقيل ست سنين، واشتد على النصارى وفتك فيهم وسار إلى مصر والإسكندرية فقتلهم، وهدم كنائسهم وشردهم في البلاد وهلك.
فملك من بعده أنطونيش قيصر وقيل أنطونيسش قسطس لخمسٍ وعشرين سنة وخمسمائة لغلبة الإسكندر، فأقام ست سنين، وقيل سبع سنين، وضعف عن مقامة الفرس فغلبوا على أكثر مدن الشام، ونواحي أرمينية، وهلك في حروبهم.
فملك بعده مقرين قيصر بن مزكة، وقيل اسمه مقرونيوس، وقيل مرقيانوس، فأقام سسنة وقتله قواد رومة.
ثم ملك من بعده أنطونيش قيل ثلاث سنين، وقيل أربع سنين، وفي أول سنة من ملكه بنيت مدينة عمواس بأرض فلسطين من الشام وملك سأبور بن أردشير مدناً كثيرة من الشام، ومات.
فملك من بعده اسكندروس فأقام ثلاث عشرة سنة، وقيل عشرين سنة، وكانت أمه نصراينة، فكانت النصارى معه في سعة من أمرهم.
قال هروشيوش: ولعشر من ملكه غزا فارس وقتل سأبور بن أردشير ملك الفرس، وثار عليه أهل رومة فقتلوه.
وملك بعده مخشميان بن لوجيه، وقيل اسمه نقيموس، فأقام ثلاث سنين ولقي النصارى منه شدة عظيمة.
قال ابن العيمد: وفي ثالثة ملكه مات سأبور بن أردشير، وهو خلاف ما تقدم من كلام هروشيوش أنه قتله اسكندروس في العاشرة من ملكه، وهلك.
فملك بعده يونيوش وقيل اسمه لوكيوش قيصر، وقيل بلينايوس، فأقام ثلاثة أشهر وقتل.
ثم ملك بعده غرديانوس قيصر وقيل اسمه فودينوس، وقيل فرطانوس وقيل غرديان بن بلنسيان، فأقام ست سنين، وقيل سبع سنين، وطالت حروبه مع الفرس، وقتله أصحابه على نهر الفرات.
وملك بعده فلفش قيصر بن أوليان بن أنطونيش، فأقام سبع سنين، وقيل ست سنين، وقيل تسع سنين، ودان بدين النصرانية، وهو أول من تنصر من ملوك الروم، وقتله قائدٌ من قواده.
وملك ذلك القائد الذي قتله مكانه، وكان من أولاد الملوك.
واسمه داجية ابن مخشميان فأقام خمس سنين، وقيل سنتين، وقيل سنة، وكان يعبد الأصنام، ولقي النصارى منه شدة قيل وفي أيامه كانت قصة أهل الكهف مع ملكهم؛ وهلك.
فملك من بعده غالش قيصر، فأقام سنتين، وقيل ثلاث سنين، واستتبع في قتل النصارى، وكان في أيامه وباءٌ عظيم أقفرت منه المدن، ومات.
فملك بعده والاريانس لسبعين وخمسمائة لغلبة الإسكندر، وقيل اسمه غاليوش، وقيل أقيوس وغاليوش ابنه، وقيل أورليوس، وقيل غليوش، وقيل أدرياليانوس، فأقام إحدى عشرة سنة، وقيل خمس عشرة سنة، وقيل أربع عشرة سنة، وقيل خمس سنين، وكان يعبد الأصنام، فلقي النصارى منه شدة عظيمة، ووقع في أيامه وباء عظيم فرفع الطلب عن النصارى بسببه.
وفي أيامه خرج القوط من بلادهم وتغلبوا على بلاد مقدونية وبلاد النبط واقتلعوها منه، وقتله بعض قواد رومة.
وملك بعده افلوديوش قيصر لثمانين وخمسمائة للإسكندر، فأقام سنة واحدة، وقيل سنة وتسعة أشهر، وقيل هو فلوديش بن بلاريان ولم يكن من بيت الملك وأقام سنتين، وقيل ملك بعده أخوه قنطل فأقام سبعة عشرة يوماً، ودفع القوط عن مقدونية وأرمينية وقتله بعض قواده.
ثم ملك أوريليانس وقيل اسمه أوراليوس، وقيل أورينوس، وقيل اروليوس، وقيل أوراليان بن بلنسيان، فأقام ست سنين، وقيل خمس سنين، وأشتد على النصارى وجدد بناء رومة وفي سادسة ملكه ولد قسطنطين، ثم قتل.
وملك بعده طافيس بن اليش وقيل اسمه طافسيوس، وقيل طافساس، فأقام نحو سنة، وقيل تسعة أشهر، وقيل ستة أشهر.
ثم ملك بعده فروفش قيصر وقيل اسمه فرويس، وقيل برويش، وقيل ولاكيوش، وقيل ارفيون، فأقام خمس سنين، وقيل ست سنين وقيل سبع سنين، وقتله قواد رومة.
ثم ملك بعده قاريوش قيصر وقيل اسمه قوروش، وقيل قاروش لخمسمائة وثنتين وتسعين للإسكندر في زمن سأبور ذي الأكتاف، أحد ملوك الساسانية من الفرس، فأقام سنتين، وقيل ثلاث سنين، وتغلب على كثير من بلاد الفرس، واشتد على النصارى وقتل منهم خلقاً كثيراً وهلك في الحرب.
فملك بعده ابنه مناريان وقتل لوقته.
ثم ملك من بعده ديقلاديانوس لخمسمائة وخمس وتسعين سنة للإسكندر، وقيل اسمه دقلطياونس، وقيل غرنيطا، فأقام إحدى وعشرين سنةً، وقيل عشرين سنة، وقيل ثمان عشرة ولقي النصارى منه شدةً وأمر بغلق الكنائس، وقتل جملةً من أعيان النصارى، وهلك.
فملك بعده ابنه مقسيمانوس قيصر فأقام سبع سنين، وقيل سنةً واحدة.
وكان شريكه في الملك مفطوس وهو أشد كفراً منه، ولقي النصارى منهما شدةً عظيمةً وقتل منهم خلقاً كثيراً، ووقع في الكلام هروشيوش ما يخالف هذا الترتيب، ولا حاجة بنا إلى ذكره.
الطبقة الثالثة: القياصرة المتنصرة إلى الفتح الإسلامي:
وكانوا يدينون أولاً بدين الصابئة، ثم دانوا بدين المجوسية، ثم بعد ظهور الحواريين، وتسلطهم عليهم مرةً بعد أخرى أخذوا بدين النصرانية، وكان أول من أخذ منهم به قسطنطين بن قسطنش بن وليتنوش، وكان قد خرج على مقسيمانوس قيصر: آخر القياصرة من الطبقة الثانية، فهزمه ورجع مقسيمانوس إلى رومة، فازدحم عسكره على الجسر فغرق فيمن غرق، ودخل قسطنين رومة وملكها فبسط العدل، ورفع الجور، وتنصر لثنتي عشرة سنة من ملكه، وهدم بيوت الأصنام، وتوجهت أمه هلانة إلى القدس واستخرجت خشبة الصلبوت بزعمهم من تحت القمامات وبنت مكانها كنيسة قمامة، وذلك لثلثمائة وثمانٍ وعشرين سنةً من مولد المسيح عليه السلام. وفي السنة التاسعة عشرة من ملكه كان مجمع الأساقفة بنيقية، ولما تنصر قسطنطين وخرج عن دين المجوسية، خاف من قومه فارتحل من رومة إلى مدينة بوزنطية فجددها وزاد فيها وسماها القسطنطينية باسمه وأقام في الملك خمسين سنة: منها ببوزنطية ستٌ وعشرون سنة قبل غلبة مقسيمانوس، وأربع وعشرون بعد استيلائه على الروم هلك لستمائة وخمسين للإسكندر.
وملك بعده ابنه قسطنطين الأصغر بن قسطنطين، بن قسطنطين، قسطنش فأقام أربعاً وعشرين سنةً ومات.
فملك بعده ابن عمه يوليانوش فأقام سنةً واحدة، وقيل سنتين، فكان على غير دين النصرانية، فقتل النصارى وعزلهم عن الكنائس واطرحهم من الديوان وسار لقتال الفرس فمات من سهمٍ أصابه، وقيل ضل في مفازة فقتله أعداؤه.
وملك بعده يليان بن قسطنطين سنةً واحدة وهلك.
فملك بعده بوشانوش فأقام سنة واحدة، وقيل إنما هو بلنسيان بن قسطنطين، وقيل واليطينوش، وانه ملك ثنتي عشرة سنة أو خمس عشرة سنة ثم هلك بالفالج.
وملك بعده أخوه واليش وقيل اسمه والأش فأقام أربع سنين، وقيل ثلاث سنين، وقيل سنتين، وقيل إنه كان شريك واليطينوش المتقدم ذكره في الملك، ثم خرج على واليش خارجٌ من العرب وقتل في حربه.
وملك بعده اغراديانوس قيصر وهو أخو واليش، ويقال إن ولنطيانش ويقال والنطوش بن واليش كان شريكاً له في الملك فأقام سنة واحدة، وقيل سنتين وقيل ثلاث سنين، ومات اغراديانوس وابن أخيه في سنة واحدة.
وملك بعدهما تاوداسيوس ويقال إنه طودوشيوش لستمائة وتسعين من ملك الإسكندر، فأقام سبع عشرة سنة، وفي الخامسة عشرة من ملكه ظهر أهل الكهف وأفاقوا من نومهم، فأرسل في طلبهم فوجدهم قد ماتوا فأمر أن تبنى عليهم كنيسةٌ ويتخذ يوم ظهورهم عيداً، وفي أيامه كان المجمع بقسطنطينة لمائتين وخمسين سنة من مجمع نيقية.
ثم ملك اركاديش بن تاوداسيوس، فأقام ثلاث عشرة سنة، وولد له ولدٌ سماه طودوشيوش، فلما كبر هرب إلى مصر وترهب، وأقام في مغارة في الجبل المقطم ومات فبنى الملك على قبره كنيسةً وديراً يسمى دير القصير، وهو دير البغل، وهلك.
فملك بعده ابنه طودوشيش قيصر الأصغر، فأقام ثنتين وأربعين سنةً. وفي أيامه كان المجمع الثالث للنصارى بمدينة أفسس، وولى أخاه أنوريش على رومة واقتسما الملك وإنه لما هلك أركاديش استبد أخوه أنوريش قيصر بالملك خمس عشرة سنة، وإنه لما هلك ملك من بعده طودوشيش المقدم ذكره.
ثم ملك مرقيان قيصر ويقال بالكاف بدل القاف، فأقام ست سنين. وفي أيامه كان المجمع الرابع بخلقدونية وانقسم النصارى إلى يعقوبية وملكية. ونسطورية. وفي أيامه سكن شمعون الحبيس الصومعة بأنطاكية وترهب فيها وهو أول من فعل ذلك من النصارى، ثم مات مرقيان.
وملك بعده لاون قيصر ويعرف بلاون الكبير لسبعمائة وسبعين سنةً من ملك الإسكندر، وقيل اسمه ليون بن شميخلية، وكان ملكياً فأقام ست عشرة سنة ومات.
وملك بعده لاون قيصر ويعرف بلاون الصغير، وكان يعقوبياً فأقام سنةً واحدةً وهلك.
فملك بعده زينون قيصر وقيل اسمه سينون يالسين المهملة بدل الزاي، وكان يعقوبياً فأقام سبع عشرة سنةً وهلك.
فملك بعده نشطاش قيصر لثمانمائة وثلاث سنين للإسكندر، فأقام سبعاً وعشرين سنةً، وكان يعقوبياً وسكن حماة من الشام، وأمر أن تشاد وتحصن فبنيت في سنتين، وأمر بقتل كل امرأةٍ قارئةٍ كاتبةٍ، وهلك.
فملك بعده يشطيانش قيصر لثمانمائة وثلاثين للإسكندر، وكان ملكياً فأقام تسع سنين، وقيل سبع سنين، ويقال إنه كان معه شريكٌ في ملكه يقال له يشطيان، وهلك.
فملك بعده يشطينانش قيصر لثمانمائة وأربعين للإسكندر، وكان ملكياً وهو ابن عم يشطيانش الملك قبله، وقيل كان شريكه فأقام أربعين سنةً، وقيل ثلاثاً وثلاثين سنة، وأمر بأن يتخذ عيد الميلاد في الرابع والعشرين من كانون، والغطاس في ستٍّ منه، وكانا قبل ذلك جميعاً في سادسه، وكانت كنيسة بيت لحم بالقدس صغيرةً فزاد فيها ووسعها حتى صارت على ما هي عليه الآن. وفي أيامه كان المجمع الخامس للنصارى بالقسطنطينية وهلك.
فملك بعده يوشطونش قيصر لثمانمائة وثمانين سنة للإسكندر في زمن كسرى أنوشروان فأقام ثلاث عشرة سنةً، وقيل إحدى عشرة سنةً، وهلك.
فملك بعده طباريش قيصر لثمانمائةٍ وثنتين وتسعين للإسكندر فأقام ثلاث سنين، وقيل أربع سنين، وهلك.
فملك بعده موريكش قيصر لثمانمائة وخمسٍ وتسعين للإسكندر، فأقام عشرين سنة، وكان حسن السيرة، ووثب عليه بعض مماليكه فقتله.
وملك بعده قوقاص قيصر قريب موريكش الملك قبله، وكان هو الذي بعث مملوكه على قتله. وفي أيامه ثار كسرى أبرويز على بلاد الروم، وملك الشام ومصر. فأقاما في مملكة الفرس عشر سنين، وحاصر القسطنطينية طلباً لثأر موريكش لمصاهرة كانت بينهما، فثار الروم على قوقاص فقتلته بسب ما جلبه إليهم من الفتنة.
وملك بعده هرقل بن أنطونيش، وقيل هرقل بن هرقل بن أنطونيش لستمائة وإحدى عشرة من تاريخ المسيح، ولألفٍ ومائةٍ من بناء رومة، ولتسعمائة وثنتين وعشرين سنةً للإسكندر، ولأول سنةٍ من الهجرة، وقيل لإحدى عشرة سنة منها، وقيل لتسع سنين. فارتحل أبرويز عن القسطنطينية راجعاً إلى بلاده، وأقام هرقل في الملك إحدى وثلاثين سنةً ونصفاً، وقيل ثنتين وثلاثين سنة، وثار على بلاد الفرس فخربها في غيبة كسرى، وضعفت مملكة الفرس بسبب ذلك، واستولى هرقل على ما كان كسرى استولى عليه من بلاده: وهو مصر والشام، وأعاد بناء ما كان خرب من الكنائس فيهما، وكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه للإسلام.
قال المسعودي، وقيل إن مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان أيام يوشطيانش، وإن ملكه كان عشرين سنة. ثم ملك هرقل بن نوسطيونس خمس عشرة سنة، وإليه تنسب الدراهم الهرقلية. ثم ملك بعده مورق بن هرقل. قال: والمشهور بين الناس أن الهجرة وأيام الشيخين، كان ملك الروم لهرقل. قال: وفي كتب السير أن الهجرة كانت على عهد قيصر بن مورق، ثم كان بعده قيصر بن قيصر أيام أبي بكر ثم هرقل بن قيصر أيام عمر، وعليه كان الفتح وهو المخرج من الشام.
الطبقة الرابعة: ملوك الروم بعد الفتح الإسلامي إلى زماننا:
قد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث وهاجر وهرقل ملك الروم، وكتب إليه يدعوه إلى الإسلام. وبقي هرقل إلى أن افتتح المسلمون الشام في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فلما غلب اللمسلمون على أكثر بلاد الشام، خرج إلى الرها، ثم علا على نشزٍ من الأرض والتفت إلى الشام وقال: السلام عليك يا سوريا سلامٌ لا اجتماع بعده، ولا يعود إليك رومي بعدها إلا خائفاً، وسار حتى بلغ القسطنطينية فأقام بها، واستولى المسلمون على الشام ومصر والأسكندرية وأفريقية والأندلس، واستولو على جزائر البحر الرومي: مثل صقلية، ودانية، وميورقة وغيرها مما كان بيد الروم. وأقام في الملك إحدى وثلاثين سنةً، وهلك لإحدى وعشرين سنةً من الهجرة.
وملك بعده على الروم بقسطنطينية ابنه قسطنطين بن هرقل فأقام ستة أشهر وقتله بعض نساء أبيه.
وملك بعده أخوه هرقل بن هرقل، فتشاءم به الروم فخلعوه وقتلوه.
وملكوا عليهم قسطينو بن قسطنطين فأقام ست عشرة سنة. وفي أيامه غزا معاوية بن أبي سفيان بلاد الروم وهو أمير على الشام من قبل عمر بن الخطاب في سنة أربع وعشرين من الهجرة فدوخ البلاد وفتح منها مدناً كثيرة، ثم أغزى عساكر المسلمين إلى قبرص في البحر سنة سبع وعشرين، ففتح منها حصوناً، وضرب الجزية على أهلها، ومات قسطينو سنة سبع وثلاثين من الهجرة.
فملك بعده ابنه يوطيانوس فأقام اثنتي عشرة سنة، ومات سنة ثمانٍ وأربعين من الهجرة.
وملك بعده ابنه لاون فأقام ثلاث سنين، ومات سنة خمسين من الهجرة.
فملك بعده طيباريوس قيصر فمكث سبع سنين. وفي أيامه غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية في عساكر الملسمين وحاصرها مدة، ثم أفرج عنها واستشهد أبو أيوب الأنصاري في حصارها ودفن في ساحتها، وقتل طيباريوس المذكور سنة ثمانٍ وخمسين من الهجرة.
وملك بعده أغشطش قيصر فذبحه بعض عبيده.
وملك بعده ابنه إصطفانيوس في أيام عبد الملك بن مروان ثم خلع.
وملك بعده لاون ومات سنة ثمانٍ وسبعين من الهجرة.
وملك بعده طيباريوس سبع سنين، ومات سنة ست وثمانين من الهجرة.
وملك بعده سطيانوس في أيام الوليد بن عبد الملك باني الجامع الأموي بدمشق.
ثم ملك بعده تداوس في سنة إحدى ومائة من الهجرة، فأقام سنةً ونصفاً.
ثم ملك بعده لاون فأقام أربعاً وعشرين سنة.
وملك بعده ابنه قسطنطين. وفي أيامه غزا هشام بن عبد الملك الصائفة اليسرى من بلاد الروم، وأخوه سليمان الصائفة اليمنى في سنة ثلاث عشرة ومائة، فلقيهم قسطنطين المذكور في جموع الروم فانهزم وأخذ أسيراً ثم أطلق.
ثم ملك بعده رجلٌ اسمه جرجس من غير بيت الملك فبقي أيام السفاح والمنصور وأمره مضطرب ثم مات.
وملك بعده قسطنطين بن لاون، وبنى المدن وأسكنها أهل أرمينية وغيرهم، ثم مات.
وملك بعده ابنه لاون وهلك.
فملك بعده نقفور وهلك في خلافة الأمين بن الرشيد.
وملك بعده ابنه استيراق قيصر وأقام إلى خلافة المأمون. وفي أيام المأمون غلب قسطنطين بن فلفط على مملكة الروم، وطرد ابن نقفور، هكذا رتبه ابن العميد. وفي كلام المسعودي ما يخالفه.
قال المسعودي: ثم ملك بعد قسطنطين نوفيل أيام المعتصم.
ثم ملك من بعده ميخائيل بن نوفيل أيام الواثق والمتوكل، والمنتصر، والمستعين.
ثم تنازع الروم وملكوا عليهم نوفيل بن مخائيل أيام المعتز، والمهتدي، وبعض أيام المعتمد.
ثم ملك من بعده أليون بن نوفيل بقية أيام المعتمد وصدراً من أيام المعتضد.
ثم ملك من بعده الإسكندروس بن أليون، فنقموا سيرته، فخلعوه.
وملكوا عليهم أخاه لاوي بن أليون، فأقام بقية أيام المعتضد والمكتفي، وصدراً من أيام المقتدر ثم هلك.
وملك ابنه قسطنطين صغيراً، وقام بتدبير دولته أرمنوس بطريق البحر، وزوجه ابنته وتسمى بالدمستق، والدمستق هو الذي يلي شرق الخيج القسطنطيني واتصل ذلك أيام المقتدر والقاهر والراضي والمتقي. ثم افترق أمر الروم.
ثم ظاهر كلام ابن الأثير أن أرمنوس المتقدم ذكره صار إليه الملك بعد قسطنطين.
قال: وكان الدمستق على عهده قوقاس فملك ملطية من يد المسلمين بالأمان في سنة ثنتين وعشرين وثلثمائة، وولى تقفور دمستقاً، وهلك أرمنوس وترك ولدين صغيرين وكان تقفور الدمستق غائباً ببلاد المسلمين فلما رجع اجتمع إليه زعماء الروم وقدموه لتدبير أمر الصغيرين وألبسوه التاج، ثم دست عليه أم زوجة أرمنوس أم الصغيرين، فقتلته في سنة ستين وثلثمائة.
وقام ابنها الأكبر وهو بسيل بن أرمنوس بتدبير ملكه فطالت مدته، وأقام في الملك نيفاً وسبعين سنة، وهلك بسيل سنة عشر وأربعمائة.
وملك بعده أخوه قسطنطين فأقام تسع سنين، ثم هلك عن ثلاث بنات.
فملك الروم عليهم الكبرى منهن، وقام بأمرها ابن خالها أرمانوس وتزوجت به فاستولى على مملكة الروم، ثم مالت زوجته إلى المتحكم في دولته، واسمه ميخائيل فدسته عليه فقتله واستولى على الأمر، ثم أصابه الصرع ودام به.
فعهد لابن أخت له اسمه ميخائيل فأحسن السيرة وطلب من زوجة خاله أن تخلع نفسها عن الملك فأبت فنفاها إلى بعض الجزر، واستولى على المملكة سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وأنكر عليه البطرك خلع المرأة فهم بقتله، فنادى البطرك في النصارى بخلعه فخلعوه، واستدعى الملكة التي خلعها وأعادها إلى الملك، ونفت ميخائيل كما نفاها، ثن اتفق البطرك والروم على خلعها فخلعت.
وملكوا عليهم أختها ندورة وسلموا ميخائيل فوقع الخلف بسبب ذلك، فأقرعوا بين المترشحين للملك منهم فخرجت على رجل منهم اسمه قسطنطين فملكوه عليهم وزوجوه بندورة الملكة في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، ثم توفي قسطنطين المذكور سنة ست وأربعين وأربعمائة.
وملك على الروم أرمانوس وذلك لأول دولة السلجوقية، وخرج لبلاد الإسلام فزحف إليه ألب أرسلان من أذربيجان فهزمه وحصل في أسره، ثم فاداه على مال يعطيه وأجروه عليه وعقد معه صلحاً.
فوثب ميخائيل بعده على مملكة الروم. فلما انطلق من الأسر وعاد إلى قسطنطينية، دفعه ميخائيل عن الملك، والتزم لألب أرسلان ما انعقد عليه الصلح.
وترهب أرمانوس وترك الملك، إلى هنا انتهى كلام ابن الأثير.
ثم توالت عليها ملوك الروم واحداً بعد واحد إلى آخر المائة السادسة، وكان ملك القسطنطينية يومئذ قد تزوج أخت الفرنسيس ملك الفرنجة، فولد له منها ابن ذكر.
ثم وثب بالملك أخوه فسلمه وملك مكانه، ولحق الابن بخاله الفرنسيس، فوجده قد جهز الأساطيل لارتجاع بيت الممقدس وفيها ثلاثة من ملوك الفرنجة وهم كيدقليس: أحد ملوكهم، وهو أكبرهم، ودوقس البنادقة، والمركين مقدم الفرنسيس، فأمرهم الفرنسيس بالجواز على القسطنطينية ليصلحوا بين ابن أخته وبين عمه ملك الروم.
فلما وصلوا على مرسى القسطنطينية خرج إليهم عمه وحاربهم فهزموه ودخلوا البلد، وأجلسوا الصبي على سرير الملك، وساء أمرهم في البلد، وصادروا أهل النعم، وأخذوا أموال الكنائس، وثقلت وطأتهم على الروم، فعقلوا الصبي وأخرجوهم من البلد، وأعادوا عم الصبي إلى الملك.
ثم هجم الفرنج البلد وأستباحوها ثمانية أيام حتى أقفرت، وقتلوا من بها من القسيسين والرهبان والأساقفة، وخلعوا الصبي، واقترع ملوك الفرنج الثلاثة على الملك، فخرجت القرعة على كيدقليس كبيرهم فملكوه على القسطنطينية وما يجاورها.
وجعلوا لدوقس البنادقة الجزائر البحرية: مثل أقريطش ورودس وغيرهما، وللمركين البلاد التي في شرقي الخليج: مثل أرسوا ولارتو في جوار سليمان بن قليج أرسلان، فلم يحصل لأحدٍ منهم شيء من ذلك إلا لمن أخذ شرقي الخليج.
ثم تغلب على القسطنطينية بطريق من بطارقة الروم شهرته لشكري واسمه ميخائيل فدفع عنها الفرنج وملكها وقتل الذي كان ملكاً قبله، وعقد معه الصلح الملك المنصور قلاوون الصالحي صاحب مصر والشام، وتوفي سنة إحدى وثمانين وستمائة.
وملك بعده ابنه ياندر وتلقب الدوقس، وشهرتهم جميعاً اللشكري، وبقي بنوه في ملكها إلى الآن.
ولم أقف على تفاصيل أخبارهم غير أنه لم يبق بيدهم سوى قسطنطينية وبعض أعمالها المجاورة لها.
وقد استولى الفرنج على جهاتها الغربية، واستولى المسلمون على ما هو شرقي الخليج القسطنطيني وعلى أعمال كثيرة من غربيه إلى ما يقارب خليج البنادقة على ما تقدم بيانه في الكلام على القسم الأول من هذا المقصد، مع تسلط صاحب السراي ملك تتر الشمال من بني جنكزخان عليه بالبعوث والسرايا قبل ذلك.
حتى إن القان أزبك صاحب هذه المملكة قرر عليه إتاوة تحمل إليه في كل سنة ليكف عنه، كما أشار إليه في التعريف في الكلام على مكاتبة صاحب القسطنطينية.
قال ابن سعيد: ومنتهى حكم اللشكري صاحب القسنطينية الآن إلى إيثينة.
قال في تقويم البلدان: بالهمزة والياء المثناة التحتية والثاء المثلثة ونون ثم ياء مثناة تحتية ثانية وهاء في الآخر.
قال ابن سعيد: وهي غربي الخليج القسطنطيني بشمال. قال ابن حوقل: وهي مدينةٌ بها مجمع النصارى بقرب البحر، وهي دار حكمة اليونان في القديم، وبها تحفظ علومهم، وحكمهم.
ولصاحب القسطنطينية المستقر بها مكاتبة تخصه من الأبواب السلطانية بالديار المصرية، على ما يأتي بيانه في الكلام على مكاتبات ملوك الكفر في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
المملكة الثانية: مملكة الألمان:
قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه: وهم من أكبر أمم النصارى، يسكنون في غربي القسطنطينية إلى الشمال، وملكهم كثير الجنود.
قال: وهو الذي سار إلى الشام في زمن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، في سنة ست وثمانين وخمسمائة، فهلك قبل وصلوه إلى الشام.
وكان قد خرج بمائة ألف مقاتل فسلط الله عليهم الغلاء والوباء فمات أكثرهم في الطريق، ولما وصل إلى بلاد الأرمن نزل يغتسل في نهر هناك فغرق فيه، وبقي من عسكره قدر ألف مقاتل لا غير فعادوا إلى بلادهم {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً}.
وقاعدتهم فيما ذكر ابن سعيد: مدينة برشان. قال في تقويم البلدان: بضم الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الشين المعجمة ثم ألف ونون في الآخر.
قال: ويقال لها أيضاً برجان بالجيم وذكر ابن سعيد: أنه كان بها الأمة المسماة برجان في قديم الزمان فاستولت عليهم الألمانية وأبادوهم حتى لم يبق منهم أحد، ولم يبق لهم أثر. وهؤلاء البرجان هم الذين كان يقاتلهم قسطنطين ورأى في منامه أعلاماً عليها صلبان فتنصر.
المملكة الثالثة: ممكلة البنادقة:
وهم طائفة مشهورة من الفرنج: وبلادهم شرقي بلاد الأنبردية الأتي ذكرهم.
وقاعدة مملكتهم البندقية. قال في تقويم البلدان: بضم الباء الموحدة وسكون النون ثم دال مهملة وقافٍ ومثناة تحتية وهاء في الآخر.
وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة، قال ابن سعيد: حيث الطول اثنتان وثلاثون درجة، والعرض أربع وأربعون درجة.
قال ابن سعيد: وهي على طرف الخليج المعروف بجون البنادقة، وقد تقدم الكلام عليه عند ذكره في الكلام على بحر الروم.
قال: وعمارتها في البحر، وتخترق المراكب أكثرها، تترد بين الدور، ومركب الإنسان على باب داره، وليس لهم مكانٌ يتمشون فيه إلاأ الساباط الي فيه سوق الصرف، صنعوه لراحتهم إذا أرادوا التمشي، وملكهم من أنفسهم يقال له الدوك، يعني بضم الدال المهملة وسكون الواو وكاف في الآخر.
ودنانيرهم أفضل دنانير الفرنجة، وقد تقدم في الكلام على معاملة الديار المصرية في أول هذه المقالة أن دينارهم يقال له دوكات نسبة إلى الدوك الذي هو ملكهم، وإليها ينسب الجوخ البندقي الفائق لكل نوع من الجوخ.
قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه: وهي قريبةٌ من جنوة في البر، وبينهما نحو ثمانية أيام. أما في البحر فبينهما أمدٌ بعيدٌ أكثر من شهرين، وذلك أنهم يخرجون إلى بحر الروم في جهة الشرق ثم يسيرون في بحر الروم إلى جهة الغرب.
قال في تقويم البلدان: ومن أعمال البندقية جزائر النقر بنت، بفتح النون وسكون القاف والراء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون النون وتاء مثناة فوقية في الآخر.
قال: وكثيراً ما يكمن بين تلك الجزائر شواني الحرأمية.
ثم قال: وفي شمالي هذه الجزائر مملكة أستيب، بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وكسر المثناة الفوقية وسكون المثناة التحتية وباءٍ موحدة في الآخر.
وفي مملكة أستيب هذه يعمل الأطلس المعدني.
المملكة الرابعة: مملكة الجنويين:
وهم طائفة من الفرنج مشهورة أيضاً.
وقاعدة مملكهم مدينة جنوة، قال في تقويم البلدان: بفتح الجيم والنون والواو ثم هاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى وثلاثون درجةً. والعرض إحدى وأربعون درجةً وعشرون دقيقة. قال: وهي على غربي جون عظيم من البحر الرومي، والبحر فيما بينها وبين الأندلس يدخل في الشمال. وهي في غربي بلاد البيازنة. قال الشريف الأدريسي: وبها جنات وأودية، وبها مرسى جيد مأمونٌ، ومدخله من الغرب. قال في تقويم البلدان: وعن بعض أهلها أنها في ذيل جبل عظيم، وهي على حافة البحر، وميناها عليها سورٌ، وأنها مدينة كبيرة إلى الغاية، وفيها أنواع الفواكه، ودور أهلها عظيمة، كل دار بمنزلة قلعة، ولذلك اغتنوا عن عمل سورٍ عليها، ولها عيون ماء، منها مشربهم وشرب بساتينهم. قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه: ولها بلادٌ كثيرةٌ.
المملكة الخامسة: بلاد رومية:
بضم الراء المهملة وسكون الواو وكسر الميم وفتح الياء المثناة تحت المشددة وهاء في الآخر. قال في تقويم البلدان: ويقال لها أيضاً رومة يعني بضم الراء وسكون الواو وفتح الميم وهاء في الآخر. وهي مدينةٌ واقعةٌ في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في القانون: حيث الطول خمس وثلاثون درجةً وعشرون دقيقة، والعرض أربعون درجةً وخمسون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي مدينةٌ مشهورةٌ في جنوبي جون البنادقة على جانبي نهرٍ يعرف بنهر الصفر.
وقد ذكر هروشيوش مؤرخ الروم أنها بنيت لأربعة الأف وخمسمائة سنة من أول العالم، على زمن حزقيا بن احاز رابع عشر ملوك بني إسرائيل. وذكر ابن كريون: أنها بنيت في زمن دواد عليه السلام، وبينهما تفاوتٌ كثير في المدة. قال في الروض المعطار: وهي من أعظم المدن وأحفلها. يقال: إنه كان طولها من الشمال إلى الجنوب عشرين ميلاً، وعرضها من الشرق إلى الغرب اثني عشر ميلاً، وقيل: دورها أربعون ميلاً، وقطرها اثنا عشر ميلاً، وارتفاع سورها ثمانيةٌ وأربعون ذراعاً. وقيل اثنان وسبعون ذراعاً، وفي عرض اثني عشر شبراً مبني بالحجر، وهي في سهلٍ من الأرض تحيط بها الجبال على بعد، وبينها وبين البحر الرومي مفروشة بالنحاس الأصفر مسافة عشرين ميلاً، وفي وسطها صحن في صخرة مرتفعةٍ لم يظفر به عدو قط.
وفي داخلها كنيسةٌ طولها ثلثمائة ذراع وارتفاعها مائتا ذارع، لها أربعة أبوابٍ من فضة سبكاً واحداً، مسقفة بالنحاس الأصفر الملصق بالقصدير، وحيطانها ملبسة بصفائح النحاس، وبها كنيسةٌ أخرى بها برج طوله في الهواء مائة ذراع، وعلى رأس ذلك البرج قبة مبنية بالرصاص، وعلى رأس القبة زرزور من نحاس إذا أدرك الزيتون انحشرت إليه الزرازير من الأقطار البعيدة، في منقار كل زرزور زيتونة وفي رجليه زيتونتان، فيطرحها على ذلك البرج فيعصر ويؤخذ زيته، فيستصبح به في الكنيسة حميع السنة. قال: وأهل رومية أجبن خلق الله تعالى.
ومن سنتهم أنهم لا يدفنون موتاهم، وإنما يدخلونهم في مغائر ويتركونهم فيها فيستوبيء هواؤهم ويقع الذباب على الموتى، ثم يقع على ثمارهم فيفسدها، ولذلك هم أكثر بلاد الله تعالى طواعين، حتى إن الطاعون يقع فيها ولا يتعداها على غيرها فوق عشرين ميلاً، وجميع أهلها يحلقون لحاهم، ويزعمون أن كل من لا يحلق لحيته فليس نصرانياً كاملاً زاعمين أن سبب ذلك أن شمعون الصفا والحواريين جاءوهم وهم قوم مساكين ليس مع كل واحد منهم إلا عصا وجرابٌ، فدعوهم إلى النصرانية فلم يجيبوهم، وأخذوهم فعذبوهم وحلقوا رؤوسهم ولحاهم. فلما ظهر لهم صدق قولهم واسوهم بأن فعلوا بأنفسهم مثل ذلك.
ولم تزل رومية هي القاعدة العظمى للروم حتى بنيت القسطنطينية وتحول إليها قسطنطين، وصارت قسطنطينية هي دار ملك الروم على ما تقدم ذكره في الكلام عليها، مع بقاء رومية عندهم على رفعة المحل وعظم الشأن إلى أن غلب عليها الفرنج وانتزعوها من أيديهم، ورفعوا منها قواعدهم واستولوا على ما وراءها من النواحي والبلدان والجزائر: كجنوة، والبندقية، وأقريطش، ورودس، واسترجعوا كثيراً مما كان المسلمون استولوا عليه من بلاد الروم كغالب الأندلس.
ثم حدثت الفتن بينهم وبين الروم بالقسطنطينية، وعظمت الفتن بينهم ودامت نحواً من مائة سنةٍ وملك الروم بالقسطنطينية معهم في تناقص حتى إن رجار صاحب جزيرة صقلية صار يغزو القسطنطينية بأساطيله وأخذ ما يجد في ميناها من سفن التجار وشواني المدينة، وانتهى أمره أن جرجا بن ميخائيل صاحب أساطيله دخل إلى مينا القسطنطينية في سنة أربع وأربعين وخمسمائة ورمى قصر الملك بالسهام، فكان ذلك أنكى على الروم من كل نكاية. ثم تزايد الحال إلى أن استولى الفرنج على القسطنطينية نفسها في آخر المائة السادسة، وأوقعوا بأهلها وفتكوا وخربوا على ما تقدم بيانه في الكلام على ملوك القسطنطينية. وبالجملة فرومية اليوم من قواعد الفرنج، وهي مقر بابهم الذي هو خليفة النصارى الملكانية وإليه مرجعهم في التحليل والتحريم.
ولهذا الباب مكاتبةٌ تخصه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، كما سيأتي ذكرها في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
وأما الممالك الصغار فسبع ممالك:
الأولى: مملكة المرا:
قال في تقويم البلدان: بفتح الميم والراء المهملة وألف. وهي مملكة تبتديء من الخليج القسطنطيني من الغرب على ساحل بحر الروم وتمتد مغرباً وتشتمل على قطعة من ساحل بحر الروم وعلى بلادٍ وجبالٍ خارجةٍ عن البحر. قال: وهذه المملكة مناصفة بين صاحب قسطنطينية وبين جنس من الفرنج يقال لهم القيتلان بالقاف والياء الساكنة آخر الحروف والمثناة الفوقية ولام ألف ونون، ويقال: الكيتلان بإبدال القاف كافاً، وهذا هو الجاري على ألسنة الناس في النطق بهم.
الثانية: بلاد الملفجوط:
قال في تقويم البلدان: بفتح الميم وسكون اللام وفتح الفاء وضم الجيم وسكون الواو وطاء مهملة في الآخر. وهم جنس من الروم لهم لسان ينفردون به، وبلادهم من أعمال قسطنطينية على ساحل بحر الروم مما يلي مملكة المرا المقدم ذكرها من جهة الغرب في مقابلة مشاريق برقة من البر الآخر، على ما تقدم ذكره في الكلام على بحر الروم في أول هذه المقالة.
الثالثة: بلاد إقلرنس:
قال في تقويم البلدان: بكسر الهمزة وسكون القاف وكسر اللام والراء المهملة وسكون النون وسين مهملة في الآخر. وهي بلاد على ساحل بحر الروم غربي بلاد الملفجوط المقدم ذكرها وشرقي بلاد الباسليسة الأتي ذكرها، وهم في مملكة الباسليسة المذكورة.
الرابعة: مملكة بولية:
بضم الباء الموحدة وسكون الواو ولامٍ وياءٍ آخر الحروف وهاء. قال ويقال: لها أنبولية أيضاً يعني بزيادة همزة في أولها ونون ساكنة بعدها. وهي مملكة على بحر الروم عند فم جون البنادقة من غربيه، في مقابل مملكة الباسليسة من بر الجون المذكور من الجهة الشرقية، وببولية هذه يعر ف الزيت المعروف بالبولية.
قال في تقويم البلدان: وملك بولية هذه في زماننا يقال له الريدشار.
الخامسة: بلاد قلفرية:
قال في تقويم البلدان: بفتح القاف واللام وسكون الفاء وكسر الراء المهملة وفتح المثناة تحت وهاء في الآخر. قال: ويقال لها قلورية أيضاً بإبدال الفاء واواً. وهي من جملة بولية المقدمة الذكر، واقعة في غربيها وشرقي مملكة رومية المتقدمة الذكر، وقد تقدم في الكلام على بحر الروم أنه يقابلها طرابلس الغرب من البر الآخر.
السادسة: بلاد التسقان:
قال في تقويم البلدان: بضم المثناة الفوقية وسكون السين المهملة وقاف وألف ونون. قال: وهم جنس من الفرنج ليس لهم ملكٌ بعينه يحكم عليهم بل لهم أكابر يحكمون بينهم. ثم قال: وبتلك البلاد يكون نبات الزعفران، وقد تقدم في الكلام على البحر الرومي أنه يقابلها مدينة تونس من البر الآخر.
السابعة: بلاد البيازنة:
بفتح الباء الموحدة والياء المثناة تحت وألف ثم زاي معجمة مكسورة ونون مفتوحة وهاء في الآخر. وهم فرقة من الفرنج.
وقاعدة ملكهم مدينة بيزة. قال في تقويم البلدان: بباء موحدة مكسورة وياء آخر الحروف ساكنة وزاي معجمة يعني وهاء في الآخر. قال: وقد تبدل الزاي شيناً معجمةً. وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال: والقياس أنها حيث الطول اثنتان وثلاثون درجةً، والعرض ست وأربعون درجة وسبعٌ وعشرون دقيقةً. وقد ذكر في تقويم البلدان أنها في الركن الشمالي من بلاد الأندلس في مقابل جزيرة سردانية المقدمة الذكر. وهي غربي بلاد رومية وليس لهم ملك وإنما مرجعهم إلى الباب: خليفة النصارى، وإلى بيزة هذه تنسب الفرنج البيازنة والحديد البيزاني، وقد تقدم في الكلام على البحر الرومي أنه يقابلها من البر الآخر مرسى الخرز.
القطر الثاني: مما غربي الخليج القسطنطيني الأض الكبيرة:
قال صاحب حماة: وهي أرضٌ متسعةٌ في شمالي الأندلس، بها ألسن كثيرةٌ مختلفة. وقد ذكر في التعريف أنها في شرقي الأندلس، ولا يصح ذلك إلا أن يريد منها ما هو شرق شمالي الأندلس.
ويتعلق الغرض منها بثلاث ممالك:
المملكة الأولى: مملكة الفرنج القديمة:
وقاعدتها مدينة فرنجة بالفاء والراء المهملتين المفتوحتين وسكون النون وفتح الجيم وهاء في الآخر، وقد تبدل الجيم منها سيناً مهملة فيقال فرنسة. ويقال لملكهم ريد إفرنس، ومعناه ملك إفرنس، والعامة تقول الفرنسيس. وهو الذي قصد ديار مصر وأخذ دمياط وأسره المسلمون ثم أطلقوه. يشير بذلك إلى قضية تاريخية، وهي أن الفرنج في سنة خمس عشرة وستمائة وهم مستولون على سواحل الشام يومئذ سار منهم نحو عشرين ملكاً من عكا وقصدوا دمياط في أيام الملك العادل أبي بكر ابن أيوب رحمه الله. وسار العادل من مصر إليهم فنزل مقابلهم، وأقاموا على ذلك أربعة أشهرٍ، ومات العادل في أثناء ذلك، واستقر بعده في الملك ابنه الملك الكامل محمد فوقع في عسكره اختلافٌ تشاغل به، فهجم الفرنج دمياط وملكوها عنوة في سنة ست عشرة وستمائة، وطمعوا بذلك في مملكة الديار المصرية، فبنى الملك الكامل بلدةً عند مفرق النيل: الفرقة الذاهبة إلى دمياط، والفرقة الذاهبة إلى أشموم طناح، وسماها المنصورة ونزلها بعساكره، ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن دخلت سنة ثمان عشرة وستمائة، وقد اشتد طمع الفرنج في الديار المصرية، وتقدموا على دمياط إلى المنصورة وضايقوا المسلمين إلى أن سألهم الملك الكامل في الصلح على أن يكون لهم القدس، وعسقلان، وطبرية، واللاذقية، وجبلة، وسائر ما فتحه السلطان صلاح الدين من سواحل الشام، خلا الكرك والشوبك، فأبوا إلا أن يكون لهم الكرك والشوبك أيضاً، وأن يعطوا مع ذلك ثلثمائة ألف دينار في نظير ما خربوه من سور القدس، فاعمل المسلمون حينئذ الحيلة في إرسال فرع من النيل في إبان زيادته، حال بين الفرنج وبين دمياط، انقطع بسبه الميرة عنهم، وأشرفوا على الهلاك، وكان آخر أمرهم أن أعرضوا عن جميع ما كانوا سئلوا به الأماكن المتقدمة الذكر ونزلوا عن دمياط للمسلمين، وتسلمها الملك الكامل منهم، ثم عاد إلى مصر، وبقيت دمياط بيد المسلمين إلى أن قصدها الفرنسيس في خمسين ألف مقاتل، ومعه الأدفونش صاحب طليلطة في أيام الملك الصالح أيوب بن الكامل محمد، بن العادل بن أبي بكر، بن أيوب في سنة أربع وأربعين وستمائة، وهجم دمياط، وملكها عنوة، وسار الملك الصالح فنزل بالمنصورة، وسار الفرنج فنزلوا مقابله ثم قصدوا دمياط فتبعهم المسلمون وبذلوا فيهم السيف، فقتلوا منهم نحو ثلاثين ألفاً، وأسر الفرنسيس وحبس بالمنصورة بدار الصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان صاحب ديوان الإنشاء، ووكل به الطواشي صبيح المعظمي ومات الصالح في أثناء ذلك، واستقر ابنه الملك المعظم مكانه في الملك؛ ثم قتل عن قريب، وفوض الأمر إلى شجرة الدر زوجة الملك الصالح، وقام بتدبير المملكة معها أيبك التركماني ثم تسلم المسلمون دمياط من الفرنسيس وأطلقوه فسار إلى بلاده فيمن بقي معه من جماعته. وفي ذلك يقول جمال الدين يحيى بن مطروح الشاعر: [سريع]
قل للفرنسيس إذا جئته ** مقال صدقٍ من قؤول نصوح

أتيت مصراً تبتغي ملكها ** تحسب أن الزمر يا طبل ريح

وكل أصحابك أودعتهم ** بحسن تدبيرك بطن الضريح!

خمسين ألفاً لا ترى منهم ** غير قتيلٍ أو أسيرٍ جريح!

وفقك الله لأمثالها ** لعل عيسى منكم يستريح

آجرك الله على ما جرى ** أفنيت عباد يسوع المسيح

فقل لهم إذ أضمروا عودةً ** لأخذ ثارٍ أو لقصدٍ صحيح!

دار ابن لقمان على حالها ** والقيد باقٍ والطواشي صبيح!

وقد تعرض في التعريف للإشارة لهذه الواقعة في الكلام على مكاتبة الأدفونش صاحب طليطلة من الأندلس، واقتصر من هذه الأبيات على الأول والأخير فقط.
المملكة الثانية: مملكة الجلالقة:
قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه: وهي أمة كالبهائم، يغلب عليهم الجهل والجفاء. ومن زيهم أنهم لا يغسلون ثيابهم، بل يتركونها عليهم إلى أن تبلى، ويدخل أحدهم دار الآخر بغير إذن. قال: وهم أشد من الفرنج، ولهم بلاد كثيرةٌ شمالي الأندلس، ونسبتهم إلى مدينة لهم قديمة تسمى جليقية. قال في اللباب: بكسر الجيم واللام المشددة وبعدها ياء آخر الحروف وقاف. قال في تقويم البلدان: ثم ياء ثانية وهاء.
وقاعدتها مدينة سمورة بسين مهملة وميم مشددة مضمومة وراء مهملة مفتوحة وهاء في الآخر. وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول عشر درج، والعرض ست وأربعون درجة. قال في اللباب: وهي من بلاد الروم المتاخمة للأندلس، وكأنه يريد أنها كانت للروم أولاً. قال في تقويم البلدان: وعن بعضهم أنها مدينة جليلةٌ معظمة عندهم، قال ابن سعيد: وهي قاعدة جليقية، أكبر مدن الفنش، وفي جزيرة بين فرعين من نهر يعرف بها. قال: وكان المسلمون قد ملكوها ثم استرجعها الجلالقة زمن الفتنة، ونهرها يصب في البحر المحيط الغربي حيث الطول خمس درج وثلاثون دقيقةً من الجزائر الخالدات، والعرض ستٌ وأربعون درجة.
المملكة الثالثة: مملكة اللنبردية:
قال في تقويم البلدان: باللام المشددة المضموة والنون الساكنة والباء الموحدة المفتوحة والراء المهملة الساكنة والدال المهملة والياء المثناة التحتية والهاء، قال:؛ ويقال لها النوبردية، والأنبردية. وموقعها في أول الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول ثلاثون درجةً وسبعٌ وثلاثون دقيقة، والعرض ثلاث وأربعون درجة وخمسون دقيقةً. قال في تقويم البلدان: وهي ناحية من الأرض الكبيرة، وبلادها تحيط بها جبالٌ إلى حد جنوة، قال: وملكها في زماننا صاحب القسطنطينة، ورثها من خاله المركيش.
ثم قال: وغربي هذه البلاد الريدراقون بكسر الراء المهملة وسكون المثناة التحتية ثم دال مهملة وراء مهملة وألف وقاف مضمومة وواو ونون في الأاخر. ومعناه ملك راقون، وقد تبدل القاف غيناً معجمة. فيقال ريدراغون وهو الموجود في مكاتبات أهل الأندلس وهدنهم.
الجهة الثانية: ما شمالي مدينة القسطنطينية وبحر نيطش إلى نهاية المعمور في الشمال:
ويشتمل على عدة ممالك وبلاد، منها: بلاد الجركس: قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه: وهم على بحر نيطش من شرقيه، وهم في شظف من العيش. قال: والغالب عليهم دين النصرانية.
قلت: وقد جلب منهم الظاهر برقوق صاحب الديار المصرية من المماليك أيام سلطنته ما يربو على العدد حتى صار منهم معظم جند الديار المصرية، وصار بهم جمال مواكبها، والملك باقٍ فيهم بالديار المصرية إلى الآن.
ومنه بلاد الأص: بفتح الهمزة الأولى والثانية وصاد مهملة في الآخر وهم طائفة، وبلادهم على بحر نيطش.
وقاعدتهم مدينة قرقر. قال في تقويم البلدان: بكسر القاف وسكون الراء المهملة وسكون القاف الثانية وكسر الراء المهملة في الآخر.
وموقعها في الشمال عن الإقليم السابع أو في آخره. قال: والقياس أنها حيث الطول خمسٌ وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمسون درجة. وهي قلعةٌ عاصيةٌ منيعةٌ في جبلٍ لا يقدر أحدٌ على الطلوع إليه، وفي وسط الجبل وطاءة تسع أهل تلك البلاد. وعندها جبل عظيم شاهق يقال له جاطر طاغ يظهر لأهل السفن من بحر القرم. وهي في شمالي صاري كرمان على نحو يوم منها.
ومنها بلاد البرغال بضم الموحدة وسكون الراء وفتح الغين المعجمة وألف ثم لام في الآخر. ويقال لهم أولاق أيضاً بقافٍ في الآخر.
وقاعدتهم مدينة طرنو. قال في تقويم البلدان: بالطاء المكسورة والراء الساكنة المهملتين والنون المفتوحة وواو في الآخر، وموقعها في الإقليم السابع. قال: والقياس أنها حيث الطول ست وأربعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمسون درجة. وهي غربي صقجي على ثلاثة أيامٍ وأهلها كفار. قال بعض المسافرين وهي على خور البرغال.
ومنها بلاد البلغار والسرب وهما طائفتان على بحر نيطش.
فأما البلغار فبضم الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الغين المعجمة وألف ثم راء مهملة. قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه: وهم منسوبون إلى المدينة التي يسكنوها، وقد سماها في كتابه تقويم البلدان بلار بضم الباء وفتح اللام وألفٍ وراء مهملة في الآخر. ثم قال: ويقال لها بالعربية بلغار.
وأما السرب فبفتح السين وسكون الراء المهملتين وباء موحدة في الآخر.
وهم في مملكة صاحب البلغار. وقاعدة ملكهم مدينة بلغار المذكورة، وموقعها في الشمال عن الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال: حيث الطول ثمانون درجة، والعرض خمسون درجة وثلاثون دقيقة. قال: وهي بلدة في نهاية العمارة الشمالية قريبةٌ من شط إثل من الجانب الشمالي الشرقي، وهي وصراي في بر واحد، وبينهما فوق عشرين مرحلةً، وهي في وطاءة، والجبل عنها أقل من يوم، وبها ثلاث حمامات، ولا يكون بها في شيء من الفواكه ولا أشجار الفواكهه من العنب وغيره لشدة بردها، وبها الفجل الأسود في غاية الكبر، قال المؤيد صاحب حماة: وحكى لي بعض أهلها أن في أول فصل الصيف لا يغيب الشفق عنها ويكون ليلها في غاية القصر. ثم قال: وهذا الذي حكاه صحيحٌ موافق لما يظهر بالأعمال الفلكية، لأن من عرض ثمانية وأربعين ونصفٍ يبتديء عدم غيبوبة الشفق في أول فصل الصيف، وعرضها أكثر من ذلك، فصح ذلك على كل تقدير.
وقد حكى في مسالك الأبصار عن حسن الرومي عن مسعود الموقت بها: أن أقصر ليلها أربع ساعات ونصفٌ تحريراً، وأنهم جربوه بالألات الرصدية فوجدوه كذلك. قال صاحب حماة في تاريخه: وكان الغالب علهم النصرانية ثم أسلم منهم جماعةٌ. وذكر في تقويم البلدان أن أهلها مسلمون حنفية، وذكر المسعودي في مروج الذهب أنه كان بالسرب والبلغار دار إسلام من قديم. قال في مسالك الأبصار: أما الآن فقد تبدلت بإيمانها كفراً، وتداولها طائفةٌ من عباد الصليب، ووصلت منهم رسلٌ إلى صاحب مصر سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة بكتاب من صاحب السرب والبلغار، يعرض نفسه على مودته ويسأله سيفاً يتقلده، وسنجقاً يقهر أعداءه به، فأكرم رسوله، وأحسن نزله، وجهز له معه خلعةً كاملة: طرد وحش بقصب بسنجابٍ مقندس، على مفرج إسكندري، وكلوته زركش، وشاش بطرفين رقم، ومنطقة ذهب، وكلاليب كذلك، وسيفٍ محلًى، وسنجق سلطاني أصفر مذهب، قال في التعريف: وجهز له أيضاً الخيل المسرجة الملجمة. وربما أنه يظهر لصاحب السراي الأنقياد والطاعة. قال في مسالك الأبصار: وذلك لعظمة سلطانه عليهم، وأخذه بخناقهم لقربهم منه.
ولصاحب السرب والبلغار مكاتبةٌ تخصه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
ومنها بلاد أفتكون بألفٍ وفاءٍ وتاءٍ مثناة ثم كافٍ وواوٍ ونون. وهي بلادٌ تلي بلاد البلغار في جهة الشمال.
وقاعدتهم مدينةٌ تسمى قصبة أفتكون والقصبة في مصطلحهم المدينة الصغيرة. قال في مسالك الأبصار: وبينها وبين البلغار مسافة عشرين يوماً بالسير المعتاد. وحكي عن مسعود الموقت بالبلغار أنه حرر ليلها فوجد أقصر ليلها ثلاث ساعاتٍ ونصف، أقصر من ليل البلغار بساعةٍ واحدة.
ومنها بلاد الصقالبة بفتح الصاد المهملة والقاف وألف وكسر اللام وفتح الباء الموحدة وهاء في الآخر. ويقال لبعض بلادها بلاد سبراوير. وهي تلي بلاد أفتكون في جهة الشمال، قال في مسالك الأبصار: وهي بلادٌ شديدة البرد، لايفارقها الثلج مدة ستة أشهر لا يزال يسقط على جبالهم وبيوتهم، ولهذا تقل المواشي عندهم. وحكى عن الفاضل شجاع الدين: عبد الرحمن الخوارزمي الترجمان أن منها يجلب السمور والسنجاب، ثم قال: وليس بعدهم في العمارة شيءٌ. وذكر أنه جاء جده فتيا من بعض أهلها يسأل فيها كيف تكون صلاة أهل بلدٍ لا يغيب عندهم الشفق حتى يطلع الصبح؟ لسرعة انقضاء الليل وهذا ظاهرٌ في أن هذه البلاد مسلمون أو فيهم المسلمون.
ومنها بلاد جولمان بجيم وواو ولام ثم ميم وألف ونون. وهي تلي بلاد سبراوير المقدمة الذكر في جهة الشمال. وهي على مثل حال بلاد سبراوير في شدة البرد وكثرة الثلج وأشد من ذلك. قال في مسالك الأبصار قال حسن الرومي: وهؤلاء هم سكان قلب الشمال، والواصل إليهم من الناس قليلٌ، والأقوات عندهم قليلةٌ حتى يحكى عنهم أن الأنسان منهم يجمع عظام أي حيوان كان، ثم يغلي عليه بقدر كفايته ثم يتركها، وبعد سبع مرات لا يبقى فيها شيء من الودك. قال: وهم مع ضيق العيش ليس في أجناس الرقيق أنعم من أجسامهم، ولا أحسن من بياضهم، وصورتهم تامة الخلقة في حسن وبياضٍ ونعومة عجيبة، ولكنهم زرق العيون. وإذا سافر المسافر من جولمان إلى جهة الشرق، وصل إلى مدينة قراقوم قاعدة القان الكبير القديمة. قال: وهي من بلاد الصين، وإذا سافر منها إلى جهة الغرب وصل إلى بلاد الروس، ثم إلى بلاد الفرنج.
ومنها بلاد الروس بضم الراء المهملة وسكون الواو وسين مهملة في الآخر. قال في مسالك الأبصار وهي بلادٌ واغلة في الشمال، في غربي بلاد جولمان المقدمة الذكر. قال صاحب حماة في تاريخه: ولهم جزائر أيضاً في بحر نيطش.
ومنها بلاد الباشقرد قال صاحب حماة في تاريخه: وهم أمةٌ كبيرةٌ ما بين بلاد الباب وبلاد فرنجة. قال: وغالبهم نصارى وفيهم مسلمون، وهم شرسو الأخلاق. قال في مسالك الأبصار: وهي مصاقبة لبلاد جولمان ثم قال: وفي باشقرد قاضٍ مسلمٌ معتبر.
ومنها بلاد البرجان بضم الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الجيم وألف ونون، وقد تبدل الجيم شيناً. قال صاحب حماة في تاريخه: وهم أممٌ كثيرةٌ طاغية قد فشا فيهم التثليث. قال: وبلادهم واغلةٌ في الشمال، وأخبارهم وسير ملوكهم منقطعة عنا لبعدهم وجفاء طباعهم، وقد تقدم أن البرجان غلب على مكانهم الألمانية، فيحتمل أنهم هؤلاء، ويحتمل أنهم طائفة أخرى منهم غير هؤلاء.
ومنها بلاد بمخ بباء موحدة وميم ثم خاء معجمة. قال في مسالك الأبصار: وهي بلادٌ مشتركة بين بلاد الروس والفرنج.
ومنها بلاد بوغزة بباء موحدة ثم واو وغين وزاي ثم هاء في الآخر. قال في مسالك الأبصار: قال الشيخ علاء الدين بن النعمان الخوارزمي: وهي بلادٌ في أقصى الشمال، وليس بعدها عمارة غير برج عظيم من بناء الإسكندر على هيئة المنارة العالية، ليس وراءه مذهب إلا الظلمات، وهي صحار وجبالٌ لا يفارقها الثلج والبرد، ولا تطلع عليها الشمس، ولا ينبت فيها نبات، ولا يعيش فيها حيوان أصلاً، متصلةٌ ببحر أسود لا يزال يمطر والغيم منعقدٌ عليه، ولا تطلع عليه الشمس أبداً. قال ابن النعمان: ويقال: إن الإسكندر مر بأطراف أوائل جبال الظلمات الغربية من العمارة فرأى فيه أناساً من جنس الترك أشبه شيء بالوحوش لا يعرف أحدٌ بلغتهم، وإذا أمسكهم أحد فروا من يده، يأكلون من نبات الجبال المجاورة لهم فإذا أقحطوا أكل بعضهم بعضاً، فمر بهم ولم يعترضهم.
واعلم أنه قد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ علاء الدين بن النعمان أن التجار المترددين إلى بلاد الديار المصرية لا يتعدون في سفرهم بلاد البلغار، ثم يرجعون من هناك، ثم تجار بلغار يسافرون منها إلى بلاد جولمان، وتجار جولمان يسافرون إلى بلاد بوغزة التي ليس بعدها عمارة. وقد ذكر في تقويم البلدان أن شمالي بلاد الروس مما هو متصل بالبحر المحيط الشمالي قوماً يبايعون مغايبةً. وذكر عن بعض من سافر إلى تلك البلاد أنه إذا وصل التجار إلى تخومهم أقاموا حتى يعلموا بهم، ثم يتقدمون إلى مكان معروفٍ عندهم بالبيع والشراء، فيضع كل تاجر بضاعته ويعلمها بعلامةٍ، ثم يرجعون إلى منازلهم، ثم يحضر أولئك القوم ويضعون مقابل تلك البضائع السمور، والوشق، والثعلب، وما شاكل ذلك، ويدعونه ويمضون ثم يحضر التجار من الغد فمن أعجبه ذلك أخذه والأ تركه، حتى يتفاصلوا على الرضا. وقد تقدم ذكر مثل ذلك عن قومٍ بالهند وعن قومٍ ببلاد السودان في الكلام على مملكة مالي.
قلت: وقد تقدم في الكلام على مملكة خوارزم والقبجاق من مملكة التورانيين في القسم الثاني منها أن الجركس والروس والأص أهل مدن عامرةٍ آهلةٍ، وجبال مشجرة مثمرة، ينبت عندهم الزرع، ويدر الضرع وتجري الأنهار، وتجنى الثمار، ولا طاقة لهم بسلطان تلك البلاد. وإن كان فيهم ملوك فهم كالرعايا لصاحب السراي إن داروه بالطاعة والتحف والطرف كف عنهم والأ شن عليهم الغارات وضايقهم وحاصرهم.